• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف للمرأة أن تحظر على زوجها الثانية؟

د. نضير الخزرجي

كيف للمرأة أن تحظر على زوجها الثانية؟

لا أحد من بني البشر يعزف بإرادته عن الزواج والاقتران، إلّا النادر الذي خالف سنة الحياة لسبب ما، فهو في نظر الناس من الشواذ خرج عن القاعدة والمألوف، ذكراً كان أو أنثى. فالإنسان هو النموذج الراقي الآدمي للثنائية القطبية القائمة في الكون في كلّ جزئية من الذرة حتى المجرة، ولولا ثنائية السالب والموجب لما قامت السموات والأرض ولما تشكّلت الذرات والأجرام والمجرات، فحتى مسرح الحياة الذي تتحرك على خشباته البشرية منذ آدم (ع) وحتى آخر يوم من دورة الحياة الأرضية، قائم على ثنائية الخير والشر، النور والظلام، فكما لا مصباح مضيء من غير دورة كهربائية، فلا دورة كهربائية من غير تفاعل السالب بالموجب، كذلك لا حياة من غير ذكر وأنثى، ولا تستمر دورة الحياة من غير تزاوج واقتران بين قطبي الحياة البشرية.

بالطبع هناك معوقات ظرفية طارئة تحول دون تحقّق الزواج وحصول الاقتران بين الذكر والأنثى، من قبيل قلة ذات اليد، أو قلة النساء في بقعة جغرافية معينة، أو قلة الرجال، لا فرق، أو نشوب الحروب وحصول الهجرة القسرية، وأمثال ذلك من الظروف الخارجة عن إرادة الإنسان، ولكن يبقى أنّ الحياة لابدّ أن تستمر بالزواج والتناسل رغم كلّ هذه المثبطات والعقبات، ومن المفارقات هنا أنّ بعض طوائف الأسكيمو، على قلتهم الذين يعيشون في المناطق الجليدية، تتزوج المرأة بأكثر من رجل، وذلك لقلة النساء، ودافعهم في هذه الزيجات المخالفة لسنة الحياة أصلاً، أنّها تأتي من أجل استمرار الحياة في تلك المناطق الباردة وتكثير النسل.

ولا فرق في الزواج بين الإنسان والحيوان، فكلّ يبحث عن التناسل والتكاثر، تقود الجميع الغريزة الجنسية، وهذه الغريزة في المخلوقات طاقة لابدّ وأن تصرف وإلّا جلبت لصاحبها المكروه والأذى، وتبرز سيئاتها ومخاطرها، على مستوى الفرد والمجتمع والأُمّة، إذا تم صرفها في غير محلها، ومحلها الاقتران السليم بين الذكر والأنثى، والغريزة قائمة في كليهما، ولا يأمن شرارتها إذا لم يتحقّق الاقتران السليم بالزواج، وممّا يؤسف له أنّ بعض الآباء يتذكر غريزته، وينسى أنّ لدى ابنته ما لديه أو لدى ابنه، فتبقى المرأة في بيت أبيها أسيرة عادات قديمة ومستحدثة، وخاصّة المرأة المطلقة أو الأرملة، والثانية يقع عليها في بعض المجتمعات عبء كبير حيث يُفرض عليها أن تقوم بتنشئة الأولاد من غير زوج آخر دون أن يتم الالتفات إلى حاجتها الغريزية الفطرية، أو لا يلتفت الأب إلى حاجة ابنه للزواج.

فالزواج أمر فطري غريزي لابدّ منه، والوقوف أمام تحقّقه، إن أتى من الشخص نفسه أو من غيره، إنّما هو في واقعه وقوف أمام الفطرة، واعتداء على القوانين الإلهية التي أودعها الله في مخلوقاته، ولذلك يكون من الضروري التعرّف على أحكام الزواج حتى تسير عربة الحياة دون وضع العصي في عجلاتها، وهذا ما نجده في كُتُيب "شريعة الزواج" للفقيه آية الله الشيخ محمّد صادق الكرباسي، الصادر عام (2014م) في بيروت عن بيت العلم للنابهين في 72 صفحة طوت بين أسطرها 161 مسألة شرعية مع تمهيد واف يضع النقاط على الحروف في مسائل الزواج، مع مقدمة و30 هامشاً وتعليقاً للفقيه آية الله الشيخ حسن رضا الغديري.

 

مقومات الزواج

الزواج من حيث اللغة هو قرن الشيء بالشيء أو اقتران الاثنين ويُقال له قرآن أو خلط أو مزج، ولكنّه من حيث الاصطلاح ينصرف إلى اقتران الرجل بالمرأة، فيكون منها الإيجاب ومنه القبول، أو بتعبير آخر اقتران الذكر بالأنثى، وفي المصطلح الفقهي كما يؤكد آية الله الكرباسي في التمهيد: (مقارنة الرجل بالمرأة بعقد شرعي، بحيث يحل له ما لا يحلّ بدونه)، واشتراط العقد الشرعي يخرج الزيجات الأخر من التعريف الفقهي، وما يترتب عليها من أُمور خطيرة تتعلق بالمواليد والمواريث والأنساب والأحساب.

ولا فرار من الزواج، إذ لا مفر من الفطرة التي جبل عليها الإنسان من ذكر أو أنثى، فطرة الثنائية والتكاثر السارية المفعول في الإنسان والحيوان والجماد والنبات وكلّ شيء في الكون، لأنّ الزواج في واقعه ينظّم حياة الإنسان بحيث يتم توزيع ساعات اليوم على حسب مستلزمات الحياة الشخصية والزوجية والعملية، ويعين على مقتضيات الحياة الأخروية لمن أسلم القياد لربّ العباد، وبتعبير الفقيه الغديري في تعليقه: (الإنسان يحتاج إلى تلك الأُمور- ومنها الزواج - حسب الطبع والفطرة وبدونها تصعب عليه إدارة أُمور الحياة وقد يعجز عنها بشكل كلّي فيختل النظام العام بتمامه)، والمتزوج يدرك هذه الحقيقة رغم أنّ العازب لا يرى ما يراه المتزوج، بل قد يرى العكس، فيعتقد أنّ العزوبية توفّر له الوقت الكافي لفعل كلّ ما يريد وهو ما يعجز عنه المتزوج الذي يتحمّل مسؤولية الزوجة والأولاد وربّما الأحفاد إلى جانب العمل، وهو فهم خاطئ يبرّر فيه العازب انفلاته عن دائرة الفطرة، وهو إن احتاج إلى إشباع الرغبة والغريزة، ربّما مارس البعض الرذيلة تحت مُدعاة الحرّية الشخصية وعدم التقيد بالمسؤولية، وربّما يطول به المقام في محطة العزوبية حتى يعزف كلّياً عن ركوب قطار الزوجية أشبه ما يكون بالمرض النفسي.

فالزوجية دالة في ذاتها على ثنائية القطبية، وإذا ما تحقق القَران، ترتب على ذلك أُمور كثيرة، ولعلّ أهمها كما يشير إليها الكرباسي في التمهيد:

أوّلاً: التجانس بين القطبين: وذلك لوجود السنخية في الخلقة بين قطبي الزواج، لكنّه أحدهما مثبت والآخر سالب، وإن اختلف القطبان في لون البشرة وحجم الجسم واللغة والعرق والجنس، فالمورثات الجينية هي نفسها من حيث العدد لدى البشر بجميع الأصناف والأشكال في شرق الأرض وغربها منذ أبينا آدم وأُمّنا حواء وحتى قيام قيامتنا، وهذا التجانس يوضحه بجلاء قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) (الروم/ 21)، ولهذا ينظر الناس بفطرتهم إلى العلاقات الجنسية الأخرى مثل اللواط أو السحاق كونهما من الشذوذ في العلاقات الاجتماعية والجنسية حتى وإن لم يبد الشرع رأيه فيهما، لأنّ الشرع في أصله لا يخالف العقل السليم ولا الفطرة السليمة، فالممارسات الشاذة تبقى غير محببة لدى الجمع العام حتى وإن عدّته بعض القوانين الوضعية الحديثة من الحرّية الشخصية تحت لافتة "زواج المثليين".

ثانياً: الانجذاب بين القطبين: ويعبر عنه الفقيه الكرباسي بالمغنطة، فإذا لم يحصل الانجذاب بين القطبين لم تتحقق المغنطة، وهي لابدّ منها لإنجاز العقد الشرعي وتفعيله على مستوى الروح، وبناء الحياة الاجتماعية السليمة.

ثالثاً: الغريزة: فلا يمكن للحياة أن تستمر من دون غريزة تدفع القطبين إلى بعضهما لتحقيق عملية الديمومة الحياتية، كما إنّ تطويق هذه الغريزة ودفعها بالاتجاه السليم لا يكون إلّا بالزواج والاقتران والعيش السليم، لأنّ الحياة الزوجية قادرة على لجم حصان الغريزة وتطويعها.

رابعاً: الوثيقة: أو العقد الشرعي كما جاء في تعريف الزواج، وبتعبير الفقيه الكرباسي أنّ الزواج: (أقدس وثيقة إسلامية لأنّه يحمل في طيّاته سنّة الحياة ويؤسس أشرف ارتباط له علاقة بالسماء وارتباط بالدِّين، حيث جُعل مكمّلاً للدِّين وحافظاً للشريعة، واستمراراً إلى تطوير الحياة واستمراريتها وذخيرة ليوم الدين) وفق الحديث النبوي الشريف: "إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدِّين، فليتق الله في النصف الباقي"، من هنا فإنّ الله الذي خلق القطبين المتجانسين المنجذبين إلى بعضهما: (شرع العقد، وهو الصيغة الواضحة الجليّة والذي يقوم على تصريح من الطرفين أمام شهود عدول بل أمام ثلّة من المؤمنين للإعلان عن مثل هذا العقد ومثل هذه المعاهدة البينيّة، يذكر كلّ طرف قبوله بهذا الترابط الإنساني).

خامساً: التخصيب: فكما أنّ الزواج أمر ضروري فطري وما يترشح عنه من نكاح، فإنّ الإنجاب أو التخصيب تبع لتلك الفطرة، بل وإنّ الأولاد من مولدات التجانس والتحابب والتوادد، وإذا كانت أركان الأُسرة قائمة على أُسس سليمة فبالتبع سيكون المجتمع سليماً، فضلاً عن كون الأبناء هم ذخر الآباء في الحياة وبعد الممات، ناهيك عن أنّ الكثرة البشرية مع سلامة المجتمع تمثل في حقيقة الأمر قوّة وطاقة بشرية تمنع الآخر من الاعتداء أو التفكير به، وهي جزء من السياسة الرشيدة حسب قوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (الأنفال/ 60)، من هنا يؤكّد الفقيه الكرباسي على حقيقة مرة إذْ: (كان الأعداء قد انتبهوا إلى هذه الحقيقة فحاولوا الوقوف أمامها، وذلك من خلال تحديد النسل وإشعال فتيل الحروب بل وتسريب الأمراض بين المسلمين للقضاء عليهم عددياً بعدما حاولوا القضاء عليهم عقائدياً بالتشكيك والتدليس من خلال وسائل الإعلام المختلفة والقهر والاضطهاد).

 

ما للذكر والأنثى

رغم التأكيدات الكثيرة على أحقيّة المرأة في معرفة الزوج قبل إجراء عقد القَران وحقّ الرجل في معرفة الزوجة ورؤيتها، فإنّ بعض الزيجات تمر حتى من غير رضا المرأة ولا معرفتها بالزوج خَلقاً وخُلُقاً، والأمر ينسحب على الزوج أيضاً الذي يتعرّف على زوجته في غرفة الزوجية يوم دخلتها، وبعض الزيجات إذا ما وضعت في ميزان الإسلام تميل كفتها إلى الحرمة، ولكن العادات الخاطئة عند بعض المجتمعات تضفي عليها الشرعية خارج دائرة الشرعية الدينية بل وحتى المدنية، وللشرع في مثل هذه الأُمور رأيه يوضحه الفقيه الكرباسي في مسائل عدة، فعلى سبيل المثال: (لا يصح عقد الزواج إلّا برضا الطرفين، أي الزوج والزوجة) ثمّ: (إن أجبر الأب ابنته على الزواج فقد أثِمَ ولم يتم الزواج، وإن كان خلاف إرادتها فهو زنى)، كذلك: (نكاح الشغار لا يقع، كأن يجعل مَهْر ابنته الزواج من ابنة أخرى، أو من أخته، ليكون زواج واحدة منهما في قبال الأخرى، بحيث يقع زواج كلّ منهما مهراً للأخرى).

لاشك أنّ كُتيب "أحكام الزواج" إضافة مهمّة لإماطة اللثام عن ممارسات خاطئة، وهو في الوقت نفسه دعوة للأُسرة المسلمة للتعرّف على موازين الزواج ومواصفات الزوجين وبيان الحقوق والواجبات، وأركان الزواج، فمن الحقوق: (لابدّ وأن تعرف الزوجةُ الزوجَ ولو بما تشخّصه كهذا الموجود أو ابن فلان أو مَن اسمه كذا، فلا أقل أن تعرف بالشخصية بالعمر أو بالشكل أو بالملامح أو ذكره بالاسم واللقب مثلاً) وهذه المعرفة لها مدخلية كبيرة في الرفض أو الرضا، لأنّ المرأة مثل الرجل تبحث عن الأحسن والأفضل لها ولأولادها ومستقبلهم، ولهذا: (يجوز للمرأة والرجل اللذين يريدان الزواج النظر إلى الآخر بشرائط).

ولما كان الزواج هو اقتران بين الذكر والأنثى، ويراد تحقيق أُسرة سليمة فإنّه يشترط في الزوج: البلوغ والرشد، والعقل، والإرادة، والقبول، والتحديد والتعيين، والعقيدة. ويشترط في الزوجة ما اشترط في الزوج إلّا في النقطة الرابعة، حيث منها الإيجاب ومنه القبول، ويراد بالإيجاب قول الزوجة أو وكيلها أو مجري صيغة العقد: زوجتك أو أنكحتك. ويراد بالقبول قول الزوج أو وكيله: قبلت الزواج والنكاح أو رضيت أو وافقت، وبشكل عام كما يؤكّد الفقيه الكرباسي: (أفضل الصيغ وأكملها وأحوطها وأوفاها أن تقول المرأة: زوّجتك وأنكحتك ومتّعتُك نفسي على مهرٍ قدره كذا، فيقول الزوج: قبلت التزويج والنكاح والتمتع على المهر المذكور، هذا في العقد الدائم، وفي العقد المؤقت تقول: متّعتكَ نفسي لمدة كذا على مَهْرٍ قدره كذا، فيقول الزوج: قبلتُ التمتُّعَ لمدة كذا وبمَهْرٍ كذا)، وهذه العبارة تلخص أركان الزواج والأُمور الملحقة بها وهي: الرجل (الزوج)، المرأة (الزوجة)، العقد (الصيغة)، المَهْر (الصَداق)، والمدّة (مدى العقد).

وكما للرجل حقّ الزواج من أكثر من امرأة، فإنّ للزوجة الأولى قبل إجراء العقد أن تمنع ذلك إذا وضعت شرطاً لتحقق إيجابها ورضاها، من هنا: (إذا تزوج امرأة واشترطت عليه أن لا يتزوج عليها، فلا يجوز للزوج أن يتزوج عليها بغيرها، متعة كان أو دائماً حسب الشروط، وإذا كان المتبادر من الزواج هو الدائم فالمؤقت جائز وإن كان خلاف الاحتياط)، ويعلق الفقيه الغديري على المسألة مضيفاً: (وله الخيار بين الإبقاء على العقد أو طلاقها إذا أراد الزواج الثاني، وإن تنازلت عن الشرط فيُرفع المانع).

ولا يخفى أنّ كُتيب "شريعة الزواج" وكُتيب "شريعة النكاح" الذي صدر هو الآخر (2014م) هما وجهان لعملة واحدة، فالأوّل يتابع العلاقة التي أنتجها العقد الشرعي بين الرجل والمرأة، والثاني يتابع مسائل الفراش والممارسة الفعلية لهذا العقد بعد تحقّق صفة الزوجية.

في الواقع إنّ ما يمكن أن يخرج منه المرء من حصيلة بعد قراءة كُتيب "شريعة الزواج"، أنّ الآباء والأجداد وعموم الأُسرة والقبيلة والعشيرة والمجتمع، بحاجة إلى معرفة مسائل الزواج وكلّ متعلقاته تجنباً للوقوع في الخطأ جهلاً، ومعرفة الحدود كما جاء بها سيِّد العباد محمّد بن عبدالله (ص) من عند ربّ العباد، على طريق بناء أُسرة سليمة ترث من الآباء والأجداد قيم الخير والفضيلة.

ارسال التعليق

Top